دعوة البابا فرانسيس للسلام والتعددية في سنغافورة
في 12 سبتمبر/أيلول 2024، ألقى البابا فرانسيس خطابًا قويًا أمام السلطات الوطنية والسلك الدبلوماسي في سنغافورة، مما شكل لحظة مهمة في زيارته للدولة المدينة.
وأكد فرانسيس على الدور الفريد الذي تلعبه سنغافورة على الساحة العالمية، وحث الدولة على الاستفادة من مكانتها للتوسط والمساهمة في حل النزاعات الدولية.
وأضاف بشكل مرتجل: "دعونا لا ننسى هذا"، مسلطاً الضوء على الحاجة الملحة للسلام في ظل الصراع العالمي المستمر.
نداء من أجل الوحدة العالمية
وفي كلمته، أشاد البابا البالغ من العمر 87 عامًا بالتزام سنغافورة بالتعددية والنظام الدولي القائم على القواعد.
يتحدث البابا فرانسيس (يمينًا) في المركز الثقافي الجامعي في سنغافورة، برفقة الرئيس ثارمان شانموغاراتنام (يسارًا)، في 12 سبتمبر 2024.
وشجع سنغافورة على الاستمرار في جهودها نحو الوحدة والأخوة بين الأمم، والدعوة إلى الصالح العام على المصالح الوطنية الضيقة.
وقال فرانسيس،
"أشجعكم على مواصلة العمل لصالح وحدة البشرية وأخوةها والخير المشترك لجميع الشعوب وجميع الأمم".
ويعكس هذا التركيز على التضامن العالمي رؤية فرانسيس الأوسع لعالم مترابط تتعاون فيه الدول لمواجهة التحديات المشتركة.
وسيط محتمل في النزاعات العالمية
ورغم أن البابا فرانسيس لم يحدد الصراعات، إلا أن تصريحاته فُسرت على نطاق واسع على أنها إشارة إلى الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا.
ويعتقد المراقبون أن البابا فرانسيس ينظر إلى سنغافورة باعتبارها وسيطًا محتملاً بسبب علاقاتها القوية مع الصين - وهي الدولة التي حافظت على موقف محايد بشأن الصراع.
وكان البابا فرانسيس قد تعاون في السابق مع السلطات الصينية بشأن جهود السلام، بما في ذلك إرسال الكاردينال ماتيو زوبي إلى بكين لمناقشة السبل الممكنة للسلام.
ونظراً للمكانة الدبلوماسية التي تتمتع بها سنغافورة، هناك اعتقاد بأنها يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تسهيل الحوار والمصالحة.
تعزيز رعاية البيئة
وسلط البابا فرانسيس الضوء أيضًا على المبادرات البيئية في سنغافورة، مشيرًا إلى التزام الدولة المدينة بالتنمية المستدامة والابتكار.
وأشاد بجهود سنغافورة في معالجة التحديات البيئية،
"إن التزامكم بالتنمية المستدامة والحفاظ على الإبداع هو مثال يحتذى به."
ويؤكد هذا الإقرار على أهمية المسؤولية البيئية والابتكار في دفع التقدم العالمي.
النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية
خلال مناقشة رحلة سنغافورة من نضالها من أجل الاستقلال إلى أن تصبح دولة مزدهرة، أشاد البابا فرانسيس بإنجازاتها الاقتصادية وسياساتها الاجتماعية.
وأشاد بالتقدم الذي أحرزته سنغافورة، مشيرا إلى أن نجاحها هو نتيجة "قرارات عقلانية وليس بالصدفة".
وأكد فرانسيس أن تقدم الدولة المدينة لا ينبغي أن يُقاس فقط من خلال المكاسب الاقتصادية، ولكن أيضًا من خلال جهودها لتعزيز العدالة الاجتماعية ودعم الفئات الضعيفة، بما في ذلك الفقراء وكبار السن والعمال المهاجرين.
وحذر من إعطاء الأولوية للبراجماتية على حساب الشمولية، مؤكدا على ضرورة ضمان أن يستفيد من التقدم جميع شرائح المجتمع.
تعزيز الشمول والحوار
وأشاد البابا بقدرة سنغافورة على تعزيز الانسجام الاجتماعي على الرغم من تنوعها الثقافي والعرقي والديني.
وعزا ذلك إلى حياد السلطات العامة والتزامها بالحوار مع كافة أفراد المجتمع، مشددا على أهمية الاحترام المتبادل والتعاون والحوار كعناصر أساسية للحفاظ على الاستقرار وتجنب التطرف والتعصب.
ويتوافق هذا النداء مع رسالته الأوسع نطاقاً الرامية إلى تعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات، وهو ما يعكس دعواته السابقة إلى الاعتدال والحوار خلال زيارته لجاكرتا.
إرث الحوار بين الأديان
وفي إشارته إلى الدور التاريخي الذي لعبته الكنيسة في تعزيز الحوار بين الأديان، أشار البابا فرنسيس إلى إعلان المجمع الفاتيكاني الثاني، Nostra Aetate، باعتباره حجر الزاوية في جهود الكنيسة في تعزيز التعاون بين الطوائف الدينية المتنوعة.
وأكد مجددا على ضرورة الانفتاح والاحترام المتبادل باعتبارهما أمرين أساسيين لبناء مجتمع عادل وسلمي.
كما أكد على أهمية وحدة الأسرة، وحث على دعم القيم المنقولة داخل الأسرة وحمايتها في ظل الظروف الاجتماعية المتغيرة.
تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والتواصل الإنساني
معالجة التطور السريع للتكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي(منظمة العفو الدولية) وحث البابا فرنسيس على أن مثل هذه التطورات لا ينبغي أن تؤدي إلى تقليص التفاعل الإنساني.
وحذر من ذلك،
"يجب استخدام هذه التقنيات لتقريبنا من بعضنا البعض من خلال تعزيز التفاهم والتضامن، وليس لعزل أنفسنا أبدًا في واقع زائف وغير ملموس بشكل خطير".
يعكس هذا البيان الاهتمام بالحفاظ على العلاقات الإنسانية الحقيقية في ظل النمو التكنولوجي.
البابا فرانسيس يحذر من الجوانب المزدوجة للذكاء الاصطناعي ويدعو إلى التوجيه الأخلاقي
هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها البابا فرانسيس موقفًا مهمًا بشأن الذكاء الاصطناعي، حيث يؤكد على الحاجة إلى الرقابة الأخلاقية لضمان أن تخدم التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي الصالح العام بدلاً من تفاقم التفاوتات.
بفضل خبرته في مجال العلوم والتكنولوجيا، يدعو فرانسيس إلى تسخير الذكاء الاصطناعي بطرق تعزز العدالة الاجتماعية والرفاهية العالمية.
في خطابه في قمة مجموعة الدول السبع في يوليو/تموز، سلط البابا فرانسيس الضوء على التأثير العميق للذكاء الاصطناعي، ووصفه بأنه "ثورة صناعية معرفية" ذات فوائد كبيرة ومخاطر محتملة.
وأشار إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على نشر المعرفة، وتعزيز البحث العلمي، وتقليل الطلب على العمالة، إلا أنه حذر أيضا من قدرته على تفاقم التفاوتات العالمية وتعميق الانقسامات المجتمعية.
وأكد البابا على "الحالة التقنية البشرية"، وجادل بأنه في حين تعمل الذكاء الاصطناعي كأداة، فمن الأهمية بمكان أن يحتفظ البشر بالسلطة النهائية في اتخاذ القرار، وخاصة في المجالات الحساسة مثل الأسلحة المستقلة القاتلة.
وانتقد البابا كذلك فكرة أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي موضوعية، مشيرا إلى أنها غالبا ما تفشل في التقاط التعقيد الكامل للسلوك البشري ويمكن أن تعزز التحيزات الموجودة.
وأعرب عن قلقه بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم، مشيرا إلى أن الاعتماد على المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقوض التعلم والتأمل الحقيقيين.
واختتم البابا كلمته بدعوة إلى "أخلاقيات الخوارزميات"، وحث على إنشاء مبادئ عالمية يمكن أن توجه التطوير الأخلاقي والاستخدام للذكاء الاصطناعي، مؤكداً على الحاجة إلى العمل السياسي لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول مع تعزيز الإبداع البشري والتقدم.
يزور البابا فرانسيس سنغافورة حاليًا من 11 إلى 13 سبتمبر 2024. وتمثل زيارته للدولة المدينة المحطة الأخيرة من جولته التي تستغرق 11 يومًا عبر أربع دول في آسيا وأوقيانوسيا، وتختتم بعودته إلى روما في 13 سبتمبر.