في خطوة قد تعيد تشكيل صناعة أشباه الموصلات، أفادت التقارير أن شركة كوالكوم تواصلت مع شركة إنتل بشأن استحواذ محتمل، وفقًا لتقرير حديث منوول ستريت جورنال إذا نجحت هذه الصفقة، فإنها ستضع شركة كوالكوم، المشهورة برقائق الهواتف المحمولة، على رأس واحدة من أكثر شركات التكنولوجيا شهرة في وادي السيليكون. لقد كافحت شركة إنتل، التي كانت ذات يوم رائدة في تصنيع الرقائق ورائدةً في مجال الحوسبة الشخصية، في السنوات الأخيرة للحفاظ على هيمنتها، وخاصة في مستقبل الصناعة الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وفي أعقاب هذه الأنباء، ارتفعت أسهم إنتل بنسبة 3.3%، في حين انخفضت أسهم كوالكوم بنسبة 2.9%. وتبلغ قيمة كوالكوم السوقية 188 مليار دولار، وهي تساوي حاليا ضعف قيمة إنتل تقريبا، وهو ما يؤكد تراجع مكانة الأخيرة في السوق على الرغم من تاريخها الحافل.
المصلحة الاستراتيجية لشركة كوالكوم في شركة إنتل
وتشير التقارير إلى أن اهتمام كوالكوم بإنتل ربما ركز في البداية على الاستحواذ على أجزاء من أعمال التصميم الخاصة بها، وخاصة وحدة تصميم أجهزة الكمبيوتر الشخصية. وفي خضم كفاحها لإعادة تموضعها في عصر الذكاء الاصطناعي، كانت إنتل تستكشف العديد من السبل لإعادة تنشيط نفسها، بما في ذلك التركيز بشكل أكبر على معالجات الذكاء الاصطناعي وتوسيع أعمالها في مجال الصب، والتي تصنع الرقائق لشركات أخرى.
بالنسبة لشركة كوالكوم، يمثل الاستحواذ على إنتل فرصة لتعزيز محفظتها وتعزيز حضورها في سوق شرائح الذكاء الاصطناعي، وهو القطاع الذي تهيمن عليه حاليًا منافسون مثل إنفيديا وأيه إم دي. تختلف شركة كوالكوم، التي تصمم الرقائق باستخدام الملكية الفكرية لشركة آرم هولدينجز وتستعين بمصادر خارجية للتصنيع، اختلافًا كبيرًا عن إنتل، التي تصنع رقائقها داخليًا وتعتمد على بنيتها الخاصة. قد يمثل هذا الاختلاف في نماذج الأعمال فرصًا وتحديات لشركة كوالكوم في دمج عمليات إنتل.
تراجع ثروات شركة إنتل
لقد تميز سقوط شركة إنتل من عليائها في عالم صناعة الرقائق بسلسلة من الفرص الضائعة والخطوات الاستراتيجية الخاطئة. فقد وجدت الشركة، التي كانت تتمتع ذات يوم بمكانة لا مثيل لها في صناعة أشباه الموصلات، نفسها متخلفة عن منافسين عالميين مثل شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC) وفقدت أسواق النمو الرئيسية مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تولت إنفيديا وأيه إم دي زمام المبادرة.
ومن الجدير بالذكر أن إنتل رفضت الاستثمار المحتمل في شركة OpenAI، الشركة التي تقف وراء ChatGPT، وهو ما أظهر عدم قدرتها على الاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، هبطت أسهم إنتل بشكل كبير، حيث انخفضت بنسبة 25% منذ الأول من أغسطس. وجاء هذا الانخفاض في أعقاب إعلان قاتم عن عزم إنتل على خفض أكثر من 15% من قوتها العاملة وتعليق توزيع أرباحها كجزء من خطة تحول طموحة.
ورغم هذه التحديات، لم تستسلم إنتل. فقد ركزت الشركة على أعمالها في مجال الصب، بهدف أن تصبح رائدة في تصنيع الرقائق المخصصة للذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة. ومؤخرا، نجحت إنتل في تأمين خدمات أمازون ويب كعميل لرقائق الذكاء الاصطناعي المخصصة لها، وهو ما أعطى بعض الأمل للمستثمرين الذين يخشون تراجعها على نطاق أوسع.
العوائق التي تعترض صفقة كوالكوم وإنتل
ورغم أن فكرة صفقة كوالكوم وإنتل مثيرة للاهتمام، إلا أنها بعيدة كل البعد عن ضمان نجاحها. ذلك أن مثل هذا الاستحواذ الضخم سوف يواجه تدقيقاً تنظيمياً كبيراً، وخاصة من جانب سلطات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة والخارج. وربما تحاول كوالكوم تهدئة هذه المخاوف من خلال بيع أجزاء من إنتل إلى مشترين آخرين كجزء من الصفقة.
ولكن حتى لو حصلت شركة إنتل على الموافقة التنظيمية، فإن دمج عمليات التصنيع الداخلية للشركة مع نموذج الاستعانة بمصادر خارجية لشركة كوالكوم قد يكون معقداً. وقد لا يتوافق اعتماد إنتل منذ فترة طويلة على بنيتها وتصنيع الرقائق الخاصة بها بسهولة مع نهج كوالكوم الأكثر انسيابية وتركيزاً على التصميم.
احتمال إزالة إنتل من مؤشر داو جونز
وتزيد من معاناة إنتل احتمالات إبعادها عن مؤشر داو جونز الصناعي. فقد سجلت إنتل أسوأ أداء في المؤشر هذا العام، حيث انخفضت أسهمها بنسبة 56%. وقد أدى هذا الانخفاض إلى انخفاض سعر سهمها إلى أدنى مستوى له في مؤشر داو جونز. ومن المؤكد أن مثل هذا الإبعاد من شأنه أن يشكل ضربة رمزية للشركة، وهو ما يسلط الضوء بشكل أكبر على سقوطها من الصدارة.
مستقبل صناعة الرقائق: الذكاء الاصطناعي في صميم الأمر
في نهاية المطاف، تعكس مناقشات كوالكوم وإنتل تحولاً أوسع نطاقاً في صناعة أشباه الموصلات، حيث أصبحت الذكاء الاصطناعي ساحة المعركة المركزية. ومع تنافس كوالكوم على موطئ قدم أقوى في سوق شرائح الذكاء الاصطناعي وكفاح إنتل لإعادة اختراع نفسها، فإن نتيجة هذا الاستحواذ المحتمل قد يكون لها عواقب بعيدة المدى على الشركتين ومستقبل صناعة الرقائق.
مع دخول العالم إلى عصر الذكاء الاصطناعي، سوف تشتد المنافسة لإنتاج رقائق أسرع وأكثر كفاءة، وسوف تحتاج شركات مثل كوالكوم وإنتل إلى الابتكار أو المخاطرة بالزوال. ويبقى أن نرى ما إذا كان اهتمام كوالكوم بإنتل يمثل بداية عصر جديد للشركة العملاقة المتعثرة أو فصلاً آخر من فصول تراجعها.