تعليقات بوتن على كامالا هاريس: خطوة استراتيجية أم مجرد استفزاز؟

لقد أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مؤخرا موجة من الجدل في السياسة الأمريكية بتعليقاته في المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، حيث أعرب عن تأييده الغريب لترشح نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس للرئاسة. فقد أشار بوتن، المعروف بمناوراته الاستراتيجية، إلى أن ضحك هاريس المعدي كان علامة على أنها "تبلي بلاء حسنا"، في حين انتقد في الوقت نفسه الرئيس السابق دونالد ترامب لفرضه عقوبات شديدة على روسيا.

يأتي هذا البيان على خلفية العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة بايدن بهدف مواجهة جهود التضليل الروسية في الانتخابات الأمريكية لعام 2024. كشفت نائبة المدعي العام الأمريكي ليزا موناكو أن ثلاث شركات روسية، يُزعم أنها بتوجيه من بوتن، استخدمت ملفات تعريف مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لروايات كاذبة، بهدف دعم ترشيح ترامب أو مرشح جمهوري آخر.

اتهمت الولايات المتحدة، أمس، روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 لمساعدة دونالد ترامب على الفوز بالانتخابات. واليوم، أعلن فلاديمير بوتن تأييده لكامالا هاريس كرئيسة للولايات المتحدة.

قد يُنظَر إلى تأييد بوتن الواضح لهاريس باعتباره استمرارًا لتكتيكه القديم المتمثل في التأثير على السياسة الداخلية الأمريكية. في الماضي، أشاد بوتن بترامب في ديسمبر 2015، ووصفه بأنه "شخص ذكي وموهوب" قبل فترة طويلة من تأمين ترامب لترشيح الحزب الجمهوري. وقد عكس هذا التأييد ازدراء الكرملين لهيلاري كلينتون، خصم ترامب المحتمل في ذلك الوقت.

ولقد تجسدت هذه الاستراتيجية بشكل أكبر في تسريب رسائل البريد الإلكتروني للجنة الوطنية الديمقراطية في عام 2016، والذي يُعزى على نطاق واسع إلى قراصنة روس. ولم يعرب بوتن عن أي ندم على التسريب، مشيرًا إلى أن المحتوى الذي تم الكشف عنه ــ تفضيل المسؤولين الديمقراطيين لكلينتون ــ كان أكثر أهمية من الاختراق نفسه. وقد لعب هذا الحادث دوراً في تعزيز رواية الكرملين بأن الديمقراطية الأميركية مجرد واجهة، حيث تملي القوة، وليس المبادئ، النتائج.

إن إعجاب بوتن بالدراما السياسية الساخرة "بيت من ورق"، كما لاحظ الصحفي الروسي المنفي ميخائيل زيغار، يؤكد وجهة نظره بشأن السياسة الأميركية. فقد أشار زيغار إلى أن بوتن اعتبر المسلسل "كتاباً مدرسياً للسياسة الأميركية"، الأمر الذي يسلط الضوء على إيمانه بالطبيعة المظلمة التي تحكم المشهد السياسي في واشنطن والتي تحركها السلطة.

قد يُفسَّر تعليق بوتن على هاريس على أنه محاولة محسوبة لزرع الفتنة داخل النظام السياسي الأميركي، على غرار مدحه لترامب في عام 2015. ومن خلال تأييده لهاريس، ربما يحاول إثارة الشك حول ترشيحها، واللعب على الروايات المثيرة للانقسام التي ميزت الانتخابات الأميركية الأخيرة. أو ربما يكون بوتن ببساطة يسخر من هاريس، فيكرر سخرية ترامب المتكررة من ضحكتها المميزة.

في نهاية المطاف، سواء كانت تصريحات بوتن بمثابة تأييد حقيقي أو خدعة استراتيجية، فإنها تعمل على تعقيد المشهد السياسي الأميركي المتقلب بالفعل، حيث لا يزال النفوذ الأجنبي والاستقطاب المحلي يشكلان عاملين مهمين.