في الأسابيع الأخيرة، كان محللو السوق والمستثمرون على يقين تقريبًا من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في سبتمبر. ومع ذلك، ألقت البيانات الاقتصادية الجديدة بثقلها على هذه التوقعات، مما جعل احتمال خفض أسعار الفائدة أقل تأكيدًا. وإليك السبب وراء عدم تحديد الخطوة التالية لبنك الاحتياطي الفيدرالي.
مبيعات التجزئة القوية وبيانات سوق العمل
لقد أحدث تقريران اقتصاديان رئيسيان صدرا مؤخرا تغييرا كبيرا في توقعات خفض أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي. أولا، ارتفعت مبيعات التجزئة في يوليو/تموز بنسبة 1%، وهو ما يفوق كثيرا الزيادة البالغة 0.4% التي توقعتها وول ستريت. ويشير هذا الإنفاق الاستهلاكي القوي إلى أن الاقتصاد أكثر مرونة مما كان يعتقد سابقا.
وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت بيانات جديدة من وزارة العمل انخفاضًا في طلبات إعانة البطالة الأولية، حيث تم تقديم 227 ألف طلب للحصول على تأمين البطالة في الأسبوع المنتهي في 10 أغسطس. وهذا الرقم ليس أقل من الأسبوع السابق فحسب، بل إنه أقل أيضًا من 235 ألف طلب التي توقعها خبراء الاقتصاد. وتعمل سوق العمل القوية على تعقيد رواية التباطؤ الاقتصادي الوشيك، والتي كانت المحرك الرئيسي وراء توقعات خفض أسعار الفائدة.
التحول في معنويات السوق
وقد تسببت هذه البيانات المفاجئة في تحول في معنويات السوق. فقبل أسبوع واحد فقط، أدت المخاوف بشأن ضعف الاقتصاد إلى تأجيج عمليات بيع في السوق، حيث توقع الكثيرون خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. ولكن الآن، دفعت بيانات مبيعات التجزئة وسوق العمل القوية المستثمرين إلى تقليص توقعاتهم. وحتى الآن، تقدر السوق احتمالات خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بنسبة 75%، مقارنة بالتوقعات السابقة التي بلغت 50 نقطة أساس.
معضلة بنك الاحتياطي الفيدرالي: تحقيق التوازن بين النمو والتضخم
إن ولاية بنك الاحتياطي الفيدرالي المزدوجة تتلخص في تعزيز أقصى قدر من التشغيل والحفاظ على استقرار الأسعار. ورغم أن التضخم كان يشكل مصدر قلق رئيسي، فإن البيانات الأخيرة التي تشير إلى قوة الاقتصاد تشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يحتاج إلى التصرف بنفس القوة لتحفيز النمو. وهذا يضع بنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب: فخفض أسعار الفائدة قبل الأوان أو بشكل حاد للغاية قد يؤدي إلى تفاقم سخونة الاقتصاد، في حين أن الانتظار لفترة أطول من اللازم قد يؤدي إلى تفويت الفرصة للتخفيف من حدة الانحدار الاقتصادي المحتمل.
ما هو التالي بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي؟
ومع هذه البيانات الجديدة، أصبحت التوقعات بشأن اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في سبتمبر/أيلول أقل وضوحاً. ومن المرجح أن يتوخى بنك الاحتياطي الفيدرالي الحذر، ويوازن بين أحدث المؤشرات الاقتصادية وأهدافه طويلة الأجل. وفي حين لا يزال خفض أسعار الفائدة ممكناً، فإن حجم وتوقيت مثل هذه الخطوة أصبحا الآن أكثر غموضاً من أي وقت مضى.
سيناريو جولديلوكس؟
ويشير بعض خبراء الاقتصاد، مثل يونج يو ما، كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات في بنك بي إم أو في الولايات المتحدة، إلى أن البيانات الحالية تمثل "سيناريو جولديلوكس" ــ ليس ساخنا للغاية ولا باردا للغاية ــ حيث ينمو الاقتصاد بشكل مطرد دون ضغوط تضخمية كبيرة. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يختار بنك الاحتياطي الفيدرالي نهجا تدريجيا لخفض أسعار الفائدة، مع التركيز على الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بدلا من إجراء تحولات جذرية في السياسة.
لا يزال خفض أسعار الفائدة الفيدرالية غير مؤكد
باختصار، في حين أن احتمال خفض أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال قائماً، فإن البيانات الاقتصادية الأخيرة جعلت الأمر بعيداً عن أن يكون حتمياً. وسوف يحتاج المستهلكون والمستثمرون وصناع السياسات على حد سواء إلى مراقبة التقارير الاقتصادية القادمة وبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي عن كثب أثناء تنقلهم في هذا المشهد غير المؤكد. وقد يكون اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في سبتمبر/أيلول لحظة محورية في تحديد اتجاه السياسة النقدية الأميركية لبقية العام.